بقلم: الأستاذ الدكتور إبراهيم محمد الرواشدة
مدير عام المركز الوطني للبحوث الزراعية
تُشكّل الرؤية الملكية للريادة والابتكار حجر الأساس في بناء الأردن الحديث، حيث يؤكد جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين، حفظه الله ورعاه، أن مستقبل الوطن يجب أن يكون قائماً على التميز والإبداع والانفتاح على التطور. وكما يقول جلالته: "نريده مستقبلاً عنوانه التميز وجوهرة الإبداع… مستقبلاً منفتحاً على التغيير والتطور، يستوعب الأفكار الجديدة".
ويمضي جلالته أكثر في رسم ملامح الطريق حين يشير إلى أن “مستقبل الأردن لا يُبنى بالموارد التقليدية وحدها، بل بإبداع أبنائه وبأفكارهم الجديدة القادرة على خلق فرص لم تكن موجودة من قبل”.
هذه الكلمات الملكية ليست مجرد توجيهات؛ بل هي بوصلة وطنية تحدد مسار التحوّل، وتضع الإبداع في قلب المشروع الأردني نحو المستقبل، وتُطلِق طاقات الشباب نحو اقتصاد قائم على المعرفة، وتدفع المؤسسات الوطنية لتبنّي نهج جديد في التفكير والعمل.
بهذه الرؤية الثاقبة، يستند المركز الوطني للبحوث الزراعية في صياغة نموذج تنموي حديث يقوم على الابتكار وريادة الأعمال، ويعزز مكانة الإبداع كعنصر محوري في منظومة الاقتصاد الوطني.
لقد أكّد جلالة الملك في أكثر من مناسبة أن “الابتكار ليس خياراً ترفياً، بل ضرورة تمليها طبيعة العصر”، وأن الانتقال إلى اقتصاد مبني على المعرفة هو حجر الأساس لبناء دولة قادرة على المنافسة والاستجابة للتغيرات العالمية المتسارعة. وفي ضوء هذه الرؤية، يصبح التفكير الريادي جزءاً أصيلاً من الهوية الوطنية، ومفتاحاً لتطوير القطاعات الإنتاجية وخلق فرص عمل نوعية وفتح آفاق جديدة أمام الشباب.
وفي هذا السياق، يعمل المركز الوطني للبحوث الزراعية على إعادة تعريف الزراعة، ليس بوصفها قطاعاً تقليدياً، بل بوصفها منصة مفتوحة أمام التكنولوجيا الحديثة، والذكاء الاصطناعي، والزراعة الرقمية، وسلاسل القيمة المستدامة، ونماذج الأعمال القابلة للنمو. ويأتي هذا التوجّه انسجاماً مع تأكيد جلالته بأن “الشباب الأردني قادر على بناء المستقبل إن امتلك الأدوات اللازمة والبيئة التي تحفّز طاقاته”.
ولأن الريادة لا تزدهر دون بيئة حاضنة، جاءت حاضنة الابتكار وريادة الأعمال الزراعية لتكون أحد أهم الإنجازات الوطنية في هذا المسار. فقد أسسها المركز الوطني لتشكّل منصة وطنية متقدمة تدعم الرياديين، وتحوّل الأفكار الإبداعية إلى حلول تطبيقية ومنتجات ذات أثر مباشر، وتوفر منظومة متكاملة للشركات الناشئة والباحثين لتجريب الأفكار، ودراسة التحديات، وتطوير حلول قابلة للتوسع ،وبهذا، أصبحت الحاضنة تجسيداً عملياً لقول جلالة الملك:
“الأردن يجب أن يكون مركزاً للابتكار، لا مستهلكاً له”.
ومن هذا المنطلق، يعمل المركز على بناء منظومة ابتكار زراعي ترتبط مباشرة بمتطلبات الأمن الغذائي، والاقتصاد الأخضر، والتنمية المستدامة، عبر تعزيز البحث العلمي التطبيقي، وتطوير الحلول المستندة إلى البيانات والتحول الرقمي، وإطلاق شراكات نوعية مع القطاع الخاص والمؤسسات الوطنية والدولية.
وقد جاءت سلسلة الاتفاقيات الريادية التي وقعها المركز الوطني مع شركات ناشئة ومؤسسات وطنية لتعكس هذا التوجه، وتفتح المجال أمام تطبيق مبادئ الابتكار المفتوح، وتوسيع شبكة التعاون الداعمة لتحويل الاكتشافات العلمية إلى منتجات وخدمات تخلق قيمة مضافة للاقتصاد الوطني.
وتتوافق هذه الجهود تماماً مع دعوة جلالته إلى “تهيئة بيئة مرنة وسريعة الاستجابة، تشجع التجريب وتقبل الأفكار الجديدة”،
وهي دعوة تمثّل جوهر التحول المطلوب لبناء اقتصاد مستقبلي يعتمد على التنوع والمرونة والإبداع والتفكير التصميمي.
وفي ظل هذه الرؤية الملكية الملهمة، يواصل المركز الوطني للبحوث الزراعية دوره كمحرّك تفكير استراتيجي، ومختبر ابتكار وطني، وجسر يربط المعرفة العلمية بالريادة العملية، ويوفر للشباب منصة إنتاج وبناء، لا منصة انتظار. انسجاماً مع المقولة الملهمة لجلالته:
“المستقبل لا يُنتظر… بل يُصنع”.
وبهذا النهج، يمضي الأردن بثقة نحو تعزيز مكانته كبيئة حاضنة للإبداع وريادة الأعمال، ويصبح الطريق الذي رسمه جلالة الملك لبناء دولة حديثة وذكية، تستند إلى المعرفة والتكنولوجيا والابتكار، طريقاً واضح المعالم… تقوده مؤسسات وطنية قادرة على تحويل الرؤية إلى واقع،
والأفكار إلى مشاريع،
والطموحات إلى إنجازات تُصنع بها ملامح الغد بكل اقتدار